البرنامج النووي الأردني بين الطموح والانجاز

لقد جاء إهتمام الأردن بخيار الطاقة النووية إنطلاقاً من سعيه في التصدي للتحديات الصعبة التي تواجهه فيما يتعلق بقضايا الطاقة والمياه، وإستجابة لتوصيات الإستراتيجية الوطنية الأردنية للطاقة لعام (2007) التي تضمنت أهمية تنويع مصادر الطاقة وتطويرها وتعظيم إستغلال مصادر الطاقة المحلية، وإدخال الطاقة النووية كأحد بدائل توليد الطاقة الكهربائية.

 تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية الأردنية عام (2008) للعمل على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة النووية وتعزيز الأنشطة التي تهدف إلى نقل وتوطين وتطويرالطاقة والتكنولوجيا النووية في الأردن، ممثلة بالبرنامج النووي الأردني الذي يضم الآن ثلاثة مشاريع رئيسية استراتيجية  كبيرة  وبعيدة المدى ، تشمل: مشروع  إستكشاف وتعدين اليورانيوم الأردني، و مشروع المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب،  ومشروع إنشاء محطة الطاقة النووية الأردنية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه.

لقد واصلت الهيئة منذ انشائها عام (2008) ومن خلال قدراتها المتاحة العمل على تنفيذ مشاريع البرنامج النووي الأردني الثلاثة بالتعاون مع المؤسسات الأردنية ذات العلاقة وبالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد حققت الهيئة على مدى السنوات العشرة الماضية تقدما واضحا في تنفيذ مشاريع البرنامج النووي، ويتفاوت هذا التقدم بحسب نوعية المشروع ومتطلبات التنفيذ من حيث البنى التحتية والتمويل والمدة الزمنية اللازمة للتنفيذ،  وقد أرست  الهيئة أجزاءً كبيرة من البنى التحتية اللازمة للسنوات القادمة، وبالأخص مشروع محطة الطاقة النووية الأردنية، ومشروع إستكشاف وتعدين اليورانيوم الأردني، بينما حققت بشكل كامل تنفيذ مشروع المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب ، والمنظومة النووية دون الحرجة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ومركز السنكروترون.

 

إعتمدت الهيئة في تنفيذها للبرنامج النووي الأردني على الخبرات الأردنية المتوفرة محليا وخارجيا، كما اعتمدت على الخبرات الأجنبية من خلال الشركات الإستشارية العالمية المشهود لها بالخبرة، إلى جانب التنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي واكبت تنفيذ مشاريع البرنامج النووي الأردني عن كثب من خلال  الزيارات الميدانية لخبرائها واصدار التوصيات اللازمة  والتي اشادت بالإنجازات المتراكمة للبرنامج النووي الاردني.

 

من البديهي أن أي إنجاز في مشاريع كبيرة بحجم البرنامج النووي الأردني يحتاج إلى كلف مالية كبيرة، فهذه المشاريع إستراتيجية ونوعية ستعيش لعشرات السنين، وسيكون لها مردود مادي ومعنوي كبير على الوطن والمواطن.

 

لقد أنفقت الهيئة خلال الأعوام من 2008 وحتى 2017 على تنفيذ مشاريعها حوالي (112) مليون دينار أردني، حيث تم صرف نسبة كبيرة من هذه النفقات على الإستشارات والخبرات الأردنية المتوفرة محليا والمواد والمستلزمات الموجودة في السوق المحلي، ناهيك عن إستخدام الخبرة الأردنية على نطاق واسع في تنفيذ مشاريع البرنامج النووي الأردني وبالتالي عززت مبدأ نقل وتوطين تكنولوجيا حديثة للأردن وتعزيز الخبرات الأردنية وتأهيل الشركات الإستشارية والخدمية الوطنية، التي شاركت في تنفيذ البرنامج إلى جانب الخبرات والإستشارات الأجنبية.

وفي هذا المقام لابد من المقارنة المنصفة بين حجم الإنجازات في المشاريع النووية وما يقابله من نفقات مالية أُنفقت على مشاريع البرنامج النووي الأردني لبيان الحقائق حول هذه النفقات وحجم الجهود الكبيرة التي بذلتها طواقم العمل المختلفة في الهيئة، وممن شاركوا في هذا الجهد الوطني الكبير من نظرائهم من المؤسسات الأردنية ذات الإهتمام.

وسنقدم صورة واقعية مفصلة حول إنجازات البرنامج النووي الأردني التي شهدت لها الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجموعة الاستشارية الدولية في تقاريرها التي أصدرتها حول النهج  الأردني المتبع في تنفيذ البرنامج والتقدم الممنهج الحاصل فيه، وما يعكسه ذلك من حرص القائمين على البرنامج ومراعاتهم للمصلحة الوطنية العليا. وسنسلط الضوء على إنجازات مشاريع البرنامج النووي الأردني مقارنة مع ما تم إنفاقه على مشاريع مماثلة في العالم العربي كانت كلفتها مليارات الدولارات، وعلى النحو التالي:

  •  أولاً: إستكشاف وتعدين خامات اليورانيوم الأردنية:

تضمنت نتائج دراسات سلطة المصادر الطبيعية في أوائل ثمانيات القرن الماضي تواجدا لكميات كبيرة من خامات اليورانيوم في عدة مناطق من المملكة. وبسبب طبيعة رواسب خامات اليورانيوم في منطقة وسط الأردن ( موقع سواقة) ، فقد أُختيرت تلك المنطقة لإجراء أنشطة إستكشافية تفصيلية لليورانيوم بحيث كان أول مشروع تموله هيئة الطاقة الذرية الأردنية هو إنشاء شركة تعدين اليورانيوم الأردنية عام (2013) لتتولى إدارة مشروع اليورانيوم في وسط الأردن. وشملت مسؤوليات الشركة إستكشاف وتطوير المعالجة المثلى لخام اليورانيوم على نحو يقود إلى تطوير وحدة تعدين على المستوى التجريبي وإنجاز دراسة جدوى بنكية بغرض إنتاج الكعكة الصفراء (U3O8) من الخامات في منطقة وسط الأردن، لتصل إلى إنشاء وحدة تعدين قادرة على إنتاج ما يقارب من (400) طن من الكعكة الصفراء سنوياً، على أن يصل الإنتاج من الكعكة الصفراء إلى (1000) طن سنوياً في النهاية، والاستفادة من المنتج كوقود لمحطة الطاقة النووية في الأردن ومخزن (بنك) إقليمي للوقود النووي.

أصدرت شركة تعدين اليورانيوم الأردنية عام (2016) تقريرا لتقدير مخزون اليورانيوم بــ (40) ألف طن، طبقاً لقواعد اللجنة الدولية المشتركة لاحتياطيات المواد الخام، وتم تصنيفها كإحتياطيات مبوبة وفق التبويب العالمي (JORC)، إذ تؤكد على وجود اليورانيوم في وسط الأردن بكميات تجارية ستعتمدها الشركات المختصة بالإستثمار.

وفي مجال إستخلاص اليورانيوم من الخام الأردني، قام فريق شركة تعدين اليورانيوم الأردنية  بتصميم العملية الصناعية الخاصة باستخلاص اليورانيوم باستخدام تكنولوجيا النض بالأكوام وتطويرها وجرى إختبارها على مستوى شبه ريادي، وتم بواسطتها إستخلاص (1) كيلو غرام من الكعكة الصفراء في عام (2016)، باعتبار هذه الخطوة أساسية لإنتاج اليورانيوم على المستوى التجاري مستقبلاً.

هذا مع العلم بأن فريق عمل متخصص من مختبرات الهيئة قد نجح في مسار آخر بإستخلاص اليورانيوم ببناء وحدة مخبرية عام (2016) أنتجت الكعكة الصفراء من خامات وسط الأردن بنقاوة عالية تزيد عن (90%) وباستخدام موارد ومواد محلية لتقليل الكلفة الإقتصادية.

هذا وستشمل أعمال الهيئة المستقبلية في مشروع إستخلاص اليورانيوم إكمال إنشاء وحدة ريادية وتشغيلها لإنتاج الكعكة الصفراء وصولاً لدراسات الجدوى الإقتصادية التفصيلية لإنتاج الكميات التجارية من الكعكة الصفراء التي يمكن إستخدامها كوقود لمفاعلات الطاقة النووية الأردنية.

ومن الجدير بالذكر أنه تم عقد اتفاقية للبحث والتطوير في مشروع تعدين خامات اليورانيوم في منطقة وسط الأردن بين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة السعودية وبين هيئة الطاقة الذرية الأردنية في آذار عام (2017).

لقد بلغت قيمة الإنفاق الحكومي على هذا المشروع الإستراتيجي خلال السنوات العشرة الماضيــــــــــة (2008 -2017) مبلغ (8) مليون و(760) ألف دينار أردني أي بمعدل (876 ) ألف دينار سنويا.

الشكل 1 : عينة صخرية تحتوي على خام اليورانيوم في منطقة وسط الأردن

لشكل 2 :  الاعمال الانشائية للمصنع الريادي لإستخلاص اليورانيوم في منطقة سواقة

  • ثانيا: المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب:

يمثل هذا المفاعل حجر الأساس للبحوث والتدريب في العلوم والتكنولوجيا النووية في الأردن، ويوفر منصة قوية للتدريب والبحث العلمي لطلبة الهندسة النووية والعلوم النووية الأخرى والمهندسين والفنيين لتشغيل المفاعلات النووية وصيانتها وتطويرها وسيتم إستخدامه لإنتاج النظائر المشعة الطبية والصناعية، لدعم التطبيقات النووية في مجالات الطب والزراعة والمياه والصناعة على مستوى الأردن والمنطقة. كما يشتمل المفاعل على وحدة التحليل للعناصر باستخدام تقنية التنشيط النيوترني التي تستخدم في تحديد نسب العناصر واعمارها في مجالات الدراسات الاثرية والبيئية وتحليلات علم الجريمة بالاضافة الى الدراسات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية المختلفة.

وبخصوص النظائر المشعة التي يتم إستيرادها حالياً من الخارج فسيتم إنتاجها باستخدام هذا المفاعل، بالتعاون مع مديرية الخدمات الطبية الملكية الأردنية، فسيكون مصنعاً لإنتاج نظائر طبية وصناعية مشعة للأردن، وسنبدأ بثلاثة نظائر تشمل اليود (I-131) والموليبدنيوم (Mo-99) والأيريديوم (Ir-192) باستخدام التنشيط النيوتروني. وباذن الله سوف يتم إستخدام هذه النظائر المشعة المنتجة من هذا المفاعل في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة بعد منتصف هذا العام، حيث تم وضع خطة تجارية لإستخدام المفاعل تشمل تسويق النظائر المشعة من خلال تحديد حاجة السوق الأردني. هذا مع العلم بأن المفاعل النووي البحثي يعمل بكفاءات أردنية وتم تشكيل اللجان العلمية المتخصصة لتوسيع قاعدة إستخداماته المختلفة في التعليم والتدريب للطلبة والباحثين في الأردن، كما سيتم إستخدامه للتدريب والبحث العلمي كمركز إقليمي ونقطة الإستقطاب الأولى في المنطقة نظراً لأنه يتناول أرقى مناحي العلوم والتكنولوجيا النووية. وليثبت للعالم مجدداً أن الأردن سباق في إمتلاك ناصية التميُّز والرفعة  مرتكزا الى كونه واحة للأمن والإستقرار التي  تستقطب أنظار العالم.

ومن الجدير  بالذكر أنه تم إستكمال هذا المشروع وأنشطته وإدخاله في الخدمة للأبحاث والتطبيقات النووية المختلفة وافتتاحه برعاية ملكية سامية في كانون أول عام (2016).

وبدأت في عام (2017) فترة التشغيل الأولى من  قبل الكوادر الأردنية للتحقق من جميع القياسات والتجارب وإعادة إجراء الحسابات النيوترونية اللازمة وإصدار التقارير المرجعية التي تم تقديمها للسلطة الرقابية في المملكة المتمثلة في هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، وقد تُوجت تلك الجهود بنجاح في شهر تشرين الثاني عام (2017)، وتم منح رخصة تشغيل أول مفاعل نووي أردني حرج ليكون الحجر ألأساس لتدريب وتأهيل مختلف الكوادر البشرية في المجالات النووية وليقدم الخدمة نفسها لجميع بلدان المنطقة بوصفه مركز تميز وإبداع ومنارة إشعاعٍ علمي متطور في المنطقة.

لقد بلغت قيمة الإنفاق الحكومي على هذا المشروع التعليمي والبحثي والإنتاجي خلال السنوات العشرة الماضية (2008 -2017) مبلغ (56) مليون دينار أردني أي بمعدل (5.6 ) مليون دينار سنويا. هذا بالإضافة إلى القرض الكوري الميسر  المقدم للمشروع ، البالغ قيمته (59) مليون دينار قدمه الجانب الكوري ليسدد على مدى (30) عاما، بفائدة متدنية بنسبة (0.2%) وفترة سماح لمدة (10) سنوات.  لقد كانت نسبة العمالة الأردنية في هذا المشروع أثناء إنشائة تزيد عن الــ (60%) اضافة إلى إستخدام شركات خدمية محلية لتقديم لوازم ومواد وشركات الفحص اللاإتلافي، ونشير الى ان كافة هذه الكوادر الاردنية قد تأهلت الآن للعمل في مشاريع نووية حساسة من الخبرة الميدانية التي اكتسبتها في هذا المشروع.

الشكل 3 :المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب

الشكل 4  : غرفة التحكم المركزية للمفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب

  • ثالثًا: محطة الطاقة النووية الأردنية:

خلال الفترة بين عامي (2009) و (2013) أجرت الهيئة دراسات عديدة وبمشاركة شركات عالمية مختصة بالطاقة النووية على مواقع محددة لإنشاء محطة الطاقة النووية.  إختار الأردن عام (2013) التقنية الروسية لبناء أول محطة نووية تحوي مفاعلين بقدرة (1000) ميجاوواط كهرباء لكل منهما ليُشغَّل الأول عام (2024) ومن ثم يليه الثاني بعامين. وتم اختيار التكنولوجيا الروسية بناءً على عطاء تنافسي شاركت فيه الشركات الفرنسية والكندية والكورية بالإضافة للشركة الروسية، حيث بينت نتائج التقييم الفني والمالي أن العرض الروسي هو الأنسب من النواحي الفنية ومن ناحية تمويل المشروع وشمل العرض المقدم من شركـــــة روس أتوم الروسيــــــة الجيل الثالث المتطور (GEN III+) للمفاعلات الروسيــــة (VVER1000-AES92) بتكنولوجيا الماء المضغوط  التي تمتاز بأعلى معايير الأمان والأمن النووي وعلى نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث كان من المتفق عليه أن يمتلك الجانب الأردني (%50.1) من المشروع، في حين يمتلك الشريك الاستراتيجي (الجانب الروسي) (49.9%) منه. وفي عام (2017) تم عقد اجتماع للجنة التوجيهية العليا المشتركة للمشروع وذلك لمناقشة تطور سير العمل به والإتفاق على آلية تسريع العمل للوصول إلى قرار إستثماري نهائي للمشروع من كلا الطرفين قبل نهاية عام (2017). تم التركيز خلال الاجتماع على الأمور المتعلقة بتمويل المشروع واستقطاب ممولين ومستثمرين جدد فيه. وخلال المداولات لتوقيع العقد النهائي، طلب الجانب الروسي تغطية القروض من بنوك تجارية، وهذا الأمر  يزيد من كلفة المشروع ، مما إنعكس كزيادة على أسعار بيع الكهرباء للسوق المحلي الأمر الذي لم توافق عليه الحكومة الأردنية، لأنّ هذه الأسعار سوف تكون غير منافسة مع أسعار الطاقة من المصادر الأخرى في الأردن، وبذلك تم إلغاء اتفاقية تطوير المشروع (PDA) الموقعة بين هيئة الطاقة الذرية الأردنية وشركة روس أتوم الروسية، التي تنص على إشتراك الطرف الأردني والطرف الروسي بتمويل مشروع إنشاء المحطة، حيث أنّ العرض التمويلي الذي تقدم به الطرف الروسي أصبح لا يُلبي الشروط المنصوص عليها في الاتفاقية من حيث سعر الكهرباء المحدد بـ (7) قروش للكيلو واط ساعة كسقف أعلى، إضافة إلى طلب الطرف الروسي من الطرف الأردني كفالة مالية للدين المقدم للمشروع بقيمة (5) مليار دولار أمريكي. وتجدر الاشارة هنا إلى أنّ إلغاء اتفاقية الـ (PDA)  لم يرتب على الحكومة الأردنية أو هيئة الطاقة الذرية الأردنية أية تبعات قانونية أو مالية.

لقد أُنجزت حتى الآن دراسات بخصوص مشروع المحطة النووية الأردنية تناولت دراسة خصائص الموقـــــــع، ودراسة سوق الكهربــــــــــاء، ودراسة الشبكة الكهربائيــــة، ودراسة نظام تبريد المحطــة، وهذه الدراسات ليست خاصة بتكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية فحسب، بل هي دراسات تتعلق بالتكنولوجيا النووية بشكل عام، وسيتم البناء عليها للإستمرار بمشروع المحطة النووية الأردنية باستخدام أية تكنولوجيا نووية أُخرى.

وقد إستمرت هيئة الطاقة الذرية الأردنية ومن خلال القنوات الرسمية بالتفاوض مع الجهات الدولية الأخرى المزودة للتكنولوجيا النووية (الأطراف الصينية، الكورية الجنوبية، البريطانية، الأمريكية، والروسية) لبناء محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء من خلال المفاعلات النووية الصغيرة المدمجة  (SMRs) ومن بينها مفاعلات الحرارة العالية المبردة بالغاز (HTR) التي تمتاز بخصائص الأمان الذاتية و عدم إمكانية إنصهار الوقود النووي عند الحوادث النووية، إضافة إلى مفاعلات الماء المضغوط   (PWR) الكبيرة.

هذا مع العلم بأن الهيئة تعمل حاليا على إجراء دراسات جدوى للمفاعلات الصغيرة المدمجة (SMRs) ومن ضمنها مفاعلات (HTR) بكلف منخفضة نسبياً والتي لا تحتاج إلى تطوير الشبكة الكهربائية لانها تنتج احمالا كهربائية اقل من المفاعلات الكبيرة وبما يتناسب مع قدرة الشبكة بالاضافة الى ان العمر التشغيلـــــــي لهذه المفاعلات يتراوح بين  (60-40) عاماَ، ويمكن إستخدامها لتوليد الكهرباء وتحلية المياه والتدفئة عدا عن التطبيقات الحرارية الصناعية الأخرى، كما أنّها تتحمل زلزالية عالية ولا تحتاج إلى  كميات كبيرة من الماء للتبريد.

وخلال السنـــــة الحاليـــــــة وقعت الهيئة مذكرتي تفاهم مع المؤسســـــــــة النوويـــــــــة الوطنيـــــــــة الصينيـــــــــة (CNNC) لإجراء دراسات جدوى للتكنولوجيا الصينية طراز (HPR-1000) و (HTR-PM) و من ثم دراسة إمكانية التوجه إلى نظام الإنشاء-التملك-التشغيل-نقل الملكية (BOOT) كما أنّه تمّ توقيع مذكرة تفاهم لدراسة الجدوى الإقتصادية لبناء مفاعلين نوويين بتقنية المفاعلات الصغيرة المدمجة طراز (ٍSMART) وبقدرة (110) ميجاواط كهرباء لكل مفاعل في المملكة الأردنية الهاشمية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه بين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة السعودية (KACARE) والمعهد الكوري لبحوث الطاقة الذرية    (KAERI ) وبين هيئة الطاقة الذرية الأردنية في آذار عام (2017).

 لقد بلغت قيمة الإنفاق الحكومي على هذا المشروع الإستراتيجي خلال السنوات العشرة الماضية (2008 - 2017) مبلغ (39) مليوناً و(172) ألف دينار أردني أي بمعدل(3.9) مليون دينار سنويا.

الشكل 5 : برج القياسات البيئية الخاص بدراسات الموقع الجغرافي للمحطة النووية

ومن النشاطات الأخرى ذات الصلة تابعت الهيئة خلال الأعوام الماضية العمل على تنمية الموارد البشرية  الأردنية لخدمة مشاريع البرنامج النووي الأردني ككل، وعملت على إنشاء المنظومة النووية دون الحرجة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ومتابعة البعثات والمنح الدراسية الخارجية والداخلية وإنشاء وتشغيل مركز السنكروترون، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية، وعلى النحو التالي:

  • المنظومة النووية الأردنية دون الحرجة:

لقد تم بناء وتشغيل المنظومة النووية الأردنية دون الحرجة، وهي صينية المنشأ، في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية وتم تشغيلها في عام (2013) كأول مرفق نووي في الأردن، وضع تحت تصرف الأساتذة والباحثين وطلبة الهندسة النووية في الجامعة للتدريب وإجراء التجارب العلمية المتخصصة. لقد بلغت قيمة الانفاق الحكومي على هذا المشروع الجامعي التعليمي البحثي مبلغ (1) مليون و(223) ألف دينار.

الشكل 6 :  منظر عام للمنظومة النووية الأردنية دون الحرجة داخل حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية (الأعلى)،  قضبان الوقود النووي داخل المنظومة (الأسفل)

  • البعثات والمنح الدراسية:

تعد تنمية الموارد البشرية في مجالات التكنولوجيا النووية واحداً من التحديات الأساسيــــــــة للبرنامج النووي الأردني، ولمواجهة هذا التحدي تم وضع آليات تنفيذية مناسبة لضمان نجاح هذا البرنامج من خلال توفير المنح والبعثات الدراسية وعقد الندوات والتدريب المتخصص، وذلك بالتنسيق بين الهيئة والدول المتقدمة في مجال الطاقة النووية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم والهندسة النووية في كل من فرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية والصين واليابان، وقد وصل عدد المبعوثين خارج الأردن (175) طالباً وطالبة.

لقد بلغت قيمة الإنفاق الحكومي على البعثات الدراسية خلال السنوات العشرة الماضية (2008 -2017) مبلغ (1) مليون و(688) ألف دينار أردني.

 

الشكل 7 : أحد الطلبة الأردنيين المبتعثين من قبل هيئة الطاقة الذرية الاردنية لدراسة الدكتوراه في الطاقة النووية في معهد موسكو يطور طريقة جديدة في مجال الفحوصات اللااتلافية حيث تجري ترتيبات الحصول على براءة اختراع دولية لها

  • مركز السنكروترون (سيسامي):

تم إنشاء مركز السنكروترون الإقليمي برعاية اليونسكو وباستضافة الأردن له في بلدة علان (محافظة البلقاء)، كأول مركز عالمي للتميز في البحث العلمي في منطقة الشرق الأوسط لإنتاج ضوء السنكروترون الذي سوف يستخدم عدداّ من حزم الأشعة تشمل الأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء. وتشمل أهداف مركز السنكروترون دعم التقدم العلمي والتكنولوجي لإجراء البحوث العلمية والتجارب العملية في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء والبيئة والآثار والمواد والتطبيقات المختلفة في الزراعة والصيدلة والطب والهندسة والصناعة من خلال التدريب المتخصص في المختبرات ومراكز السنكروترون العالمية الأخرى والمشاركة في المؤتمرات والندوات وورش العمل العلمية لمستخدمي ضوء السنكروترون داخل الأردن وخارجه، بالإضافة للاستفادة من دعم المنح والدورات من خلال اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم مع الدول المختلفة ومراكز السنكروترون والبحث العلمي العالمية.  ومن الجدير بالذكر أن الإفتتاح الرسمي للمركز قد تم برعاية ملكية سامية بتاريخ (16/5/2017) وتم تشغيل أول خطين من خطوط الأشعة للمرحلة الأولى، وهما خط الأشعة السينية (XRF/XAFS) وخط الأشعة تحت الحمراء (IR)، وقد أصبحا جاهزين لإجراء البحوث العلمية في علوم الفيزياء والكيمياء والعلوم الحياتية والبيئية والصيدلانيه وعلم الآثار والجيولوجيا. ويجري حالياً بناء خطين جديدين هما خط علوم المواد (MS) وخط البلورات الجزيئية (MX) وسيتم إدخالهما في الخدمة خلال عامي (2020,2019). كما تم تشكيل فرق البحث الأردنية من الباحثين وأعضاء هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا من الجامعات ومراكز البحث الأردنية لمشاريع الأبحاث العلمية في المجالات المختلفة لأبحاث وتطبيقات ضوء السنكروترون.

 لقد بلغت مساهمة الحكومة الأردنية في هذا المشروع الإقليمي العلمي والبحثي خلال السنوات العشرة الماضية (2008 -2017) مبلغ (4) مليون و(688) ألف دينار أردني أي بمعدل ما يقارب  (468) الف دينارسنويا.

الشكل 8  : الباحة الداخلية لمركز السنكروترون الإقليمي في بلدة علان (محافظة البلقاء)

الشكل 9 : جانب من التجهيزات الخاصة بحلقة التخزين في مركز السنكروترون

  • التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية:

كان للوكالة الدولية للطاقة الذرية دور كبير في تقديم المساعدات للأردن أثناء تنفيذه للبرنامج النووي الأردني، من خلال توفير الإستشارات الفنية ومهمات الخبراء، وتدريب الأطقم العاملة في مجال الطاقة والتكنولوجيا النووية، على مستوى الهيئة والمؤسسات الوطنية الأخرى، وتقديم معدات وأجهزة مخبرية. لقد كان للوكالة دور هام أيضا في تقديم الإستشارات الفنية للبرنامج من الناحية الرقابية، وكانت تقارير الوكالة ذات العلاقة بالبرنامج تشكل فائدة كبيرة نظرا لمواكبتها مسيرة العمل في مشاريع البرنامج النووي الأردني ميدانيا وزرع الثقة لدى العاملين في البرنامج نتيجة التقييم الإيجابي للعمل من قبل خبراء الوكالة.

من جانب آخر يشارك الأردن من خلال الهيئة، في عضوية الهيئة العربية للطاقة الذرية، وثمة فائدة معنوية وسياسية من هذه المشاركة وابراز اسم الاردن في تلك المحافل حيث يتناسب حجم هذه الفائدة مع حجم المساعدات ككل التي تقدمها الهيئة العربية للدول الاعضاء .

 وقد بلغت المساهمة الأردنية في الموازنة السنوية للمنظمتين مبلغ (659) ألف دينار على مدى عشرة سنوات.

الشكل 10 : من مشاركات الهيئة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

الشكل 11 : جانب من مشاركة الأردن في المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (مع المدير العام للوكالة)

 

الخلاصــــــــــة:

  1.  يتكون البرنامج النووي الأردني من مشاريع حيوية إستراتيجية سيحقق تنفيذها تقدما كبيرا في مجالات متعددة، كتوليد الكهرباء بأسعار منافسة وتنشيط البحث العلمي، وتدريب وتأهيل القوى البشرية الأردنية في مجالات تكنولوجية جديدة تسهم في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة.
  2.  إن نجاح الأردن في تنفيذ مشاريع البرنامج يضعه في مرتبة متقدمة بين الدول، وسيؤدي تنفيذ هذا البرنامج وتشغيل مشاريعه إلى إستحداث وازدهار صناعات محلية نوعية في مجالات متعددة لتلبية إحتياجات التشغيل والإدامة لمحطة الطاقة النووية ومرافقها المختلفة وعلى أعلى المعايير الدولية إضافة إلى منح الأردن قوة سياسية مؤثرة في المنطقة بدخوله المجال النووي.
  3. شكّل البرنامج النووي الأردني نقلة نوعية حقيقية في مجال الطاقة والتكنولوجيا النووية، وأصبح للتجربة الأردنية حضور في المحافل الدولية في هذا المجال. كما تجدر الاشارة الى ان ما هو متعارف عليه عالميا ان المشاريع التكنولوجية المتطورة تعتبر المعين الأستراتيجي للنهوض بالمنصة التكنولوجية في اي بلد لما تحققه من امكانات وفتح للافاق التكنولوجية في كافة نواحي الحياة في المجتمع بما يرفد التقدم والتطور في اساليب تطوير البنى التحتية.
  4. بلغ إجمالي النفقات المالية على البرنامج النووي الأردني للأعوام (2008- 2017) على النحو التالي:

اسم البرنامج

إجمالي الصرف بالدينار

إستكشاف وتعدين خامات اليورانيوم الأردنية

8,760,000

المفاعل  النووي الأردني للبحوث والتدريب ( دعم حكومي)*

56,000,000

محطة الطاقة النووية الأردنية

39,172,000

المنظومة النووية الأردنية دون الحرجة

1,223,000

البعثات والمنح الدراسية

1,688,000

مركز السنكروترون

4,688,000

الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية

659,000

المجموع

190,000, 112

 

* القرض الكوري الخاص ببناء المفاعل البحثي بلغ (59,000,000) دينار أردني.

من الجدول أعلاه يتبين أن إجمالي النفقات المالية على النشاطات والمشاريع الفرعية الخاصة بالبرنامج النووي الأردني بلغت بحدود (112) مليون دينار أردني، وليس كما تم نشره في بعض النشرات والبيانات المختلفة بأرقام كبيرة مبالغ فيها متضاربة ومضللة.

ومقارنة بالحجم الضخم لما تم انفاقه على برامج مشابهة في دول الإقليم، فان نجاح البرنامج النووي الأردني وإنجازاته الكبيرة قد وضعت الأردن على خارطة الدول النووية في العالم، كما شهدت بذلك التقارير العلمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجموعة الإستشارية الدولية.